هل يجب أن يعيد السودان النظر في استراتيجيته الكهربائية؟ مقارنة بين الفحم والطاقة المتجددة
في ظل التوجه العالمي نحو الطاقة النظيفة، يواجه السودان خيارات صعبة بشأن استراتيجيته الكهربائية. فبينما تحتاج البلاد إلى 25,000 غيغاواط ساعة خلال الـ 25 سنة القادمة وفقًا للدراسة طويلة المدى (Long Term Power Plan)، نجد أن أستراليا أنتجت 13,000 غيغاواط ساعة من الطاقة الشمسية السكنية خلال النصف الأول فقط من عام 2024. ورغم هذه الإمكانيات الهائلة للطاقة المتجددة، اختار السودان استيراد الفحم الحجري من جنوب إفريقيا كحل أرخص لإنتاج الكهرباء. فهل هذا هو الخيار الصحيح؟
واقع الكهرباء في السودان والتحديات الحالية
يعاني السودان من نقص حاد في الكهرباء، حيث يعتمد بشكل أساسي على السدود الكهرومائية ومحطات الديزل، التي تتأثر بتقلبات المناخ وأسعار الوقود. وتشمل أبرز التحديات:
- نقص التمويل: ضعف الاستثمارات المحلية والدولية في البنية التحتية للطاقة.
- تقادم الشبكة الكهربائية: ضعف الصيانة وزيادة الأعطال.
- الاعتماد على الوقود الأحفوري: ما يؤدي إلى تذبذب الأسعار وانقطاع الإمداد.
- ضعف التغطية الكهربائية: خاصة في المناطق الريفية، حيث يعاني ملايين السودانيين من غياب الكهرباء بشكل كامل.
لماذا يعتبر الفحم الحجري خيارًا غير مستدام؟
رغم أن الفحم الحجري يُنظر إليه كخيار أرخص، إلا أن له تكاليف خفية تؤثر على الاقتصاد والبيئة على المدى البعيد. إليك بعض الأسباب التي تجعل هذا الخيار غير مثالي:
1. التأثير البيئي الخطير
- الفحم من أكثر مصادر الطاقة تلويثًا، حيث ينتج انبعاثات كربونية عالية تؤدي إلى تغير المناخ والتصحر.
- يسبب أمراض الجهاز التنفسي، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية.
- يتطلب كميات هائلة من المياه في عمليات التبريد، وهو تحدٍ كبير في بلد يعاني من مشاكل في إدارة الموارد المائية.
2. التكلفة الاقتصادية على المدى الطويل
- الفحم الحجري ليس حلًا مستدامًا لأن أسعاره تتقلب عالميًا، مما قد يؤدي إلى أزمات اقتصادية مستقبلية.
- إنشاء محطات توليد الكهرباء بالفحم يتطلب استثمارات ضخمة، قد يكون من الأفضل توجيهها للطاقة المتجددة.
- العديد من الدول تفرض ضرائب مرتفعة على انبعاثات الكربون، ما قد يجعل تشغيل هذه المحطات أكثر كلفة مستقبلاً.
3. اتجاه العالم نحو الطاقة النظيفة
- الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يخططان للتخلص التدريجي من الفحم بحلول 2030-2040.
- البنك الدولي والمؤسسات المالية الكبرى لم تعد تمول مشاريع الوقود الأحفوري، ما يجعل التمويل المستقبلي لهذا الخيار صعبًا.
- الدول المجاورة مثل مصر وإثيوبيا تتوسع في الطاقة المتجددة، مما يعني أن السودان قد يتخلف عن الركب إذا استمر في الاعتماد على الفحم.
البدائل الممكنة: لماذا الطاقة المتجددة هي الحل الأفضل؟
بدلًا من استيراد الفحم، يمكن للسودان الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، التي تتمتع بعدة مزايا:
1. الطاقة الشمسية: السودان يمتلك إمكانيات هائلة
- يتمتع السودان بمعدل إشعاع شمسي مرتفع على مدار السنة، مما يجعله من أفضل الدول في العالم لتوليد الطاقة الشمسية.
- يمكن تركيب ألواح شمسية على المنازل، المصانع، والمزارع لتوفير الكهرباء بتكاليف تشغيل منخفضة جدًا.
- الاستثمار في الطاقة الشمسية يمكن أن يخلق آلاف فرص العمل في تركيب وصيانة الأنظمة الشمسية.
2. طاقة الرياح: مصدر مستدام ورخيص
- المناطق الشمالية والشرقية في السودان تمتلك سرعات رياح عالية جدًا، مناسبة لمحطات توليد الكهرباء من الرياح.
- توربينات الرياح لا تحتاج إلى وقود، مما يقلل التكلفة التشغيلية على المدى البعيد.
3. السدود الكهرومائية والتخزين الهجين
- السودان يمتلك عدة سدود كهرومائية مثل سد مروي وسد الروصيرص، التي يمكن تعزيز كفاءتها عبر أنظمة تخزين الطاقة وربطها بالطاقة الشمسية والرياح.
4. تحفيز القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية
- يمكن تقديم حوافز ضريبية وجمركية للشركات التي تستثمر في الطاقة المتجددة.
- جذب شركات دولية لإنشاء محطات طاقة شمسية ضخمة كما فعلت مصر مع مشروع "بنبان".
خاتمة: هل السودان بحاجة إلى تغيير استراتيجيته؟
بناءً على المقارنة بين الفحم الحجري والطاقة المتجددة، يتضح أن الطاقة المتجددة هي الحل الأفضل للسودان من حيث التكلفة، الاستدامة، والاستفادة من الموارد المحلية. استيراد الفحم الحجري قد يكون حلاً قصير الأجل لكنه غير مستدام بيئيًا واقتصاديًا.
لذلك، يجب على السودان أن يعيد النظر في خططه الطاقوية عبر:
- الاستثمار في الطاقة الشمسية والرياح لتغطية الطلب المحلي.
- تقديم تسهيلات للقطاع الخاص لإنشاء مشاريع الطاقة المتجددة.
- الاستفادة من التمويل الدولي المخصص لمشاريع الطاقة النظيفة.
إذا تم تنفيذ هذه الاستراتيجيات، يمكن للسودان أن يصبح نموذجًا في المنطقة للطاقة المستدامة، بدلًا من الاعتماد على مصادر الطاقة الملوثة والمتقادمة مثل الفحم الحجري.
