الفاشر ومروي: قراءة استراتيجية في تحركات ميليشيا الدعم السريع واحتمالات المعركة القادمة

الفاشر ومروي: قراءة استراتيجية في تحركات ميليشيا الدعم السريع واحتمالات المعركة القادمة

في ظل التطورات العسكرية المتسارعة في السودان، تبرز مدينة الفاشر بوصفها النقطة الأخطر في خارطة الصراع بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع. ومع تصاعد الحشود والضربات بالطيران المسيّر على مروي في الشمال، يبدو أن البلاد مقبلة على مرحلة فارقة قد تعيد رسم توازن القوى وتُدخل الحرب في طور جديد.


الفاشر: الهدف الاستراتيجي الأكبر

تمثل الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، آخر المدن الكبرى خارج سيطرة الدعم السريع في الإقليم الغربي. السيطرة عليها تفتح الطريق أمام الميليشيا لإعلان هيمنة كاملة على دارفور، وربما التمهيد لتأسيس كيان سياسي موازٍ للحكومة المركزية. وقد بدأت المؤشرات تظهر بوضوح:

  • حشد آلاف المقاتلين شرق المدينة.
  • فتح ما يسمى بـ"القوة المحايدة" لممرات إنسانية يُعتقد أن هدفها تفريغ المدينة من المدنيين لتسهيل اقتحامها.
  • قصف مدفعي مكثف أدى إلى سقوط قتلى وجرحى بين المدنيين.

لكن الفاشر ليست مجرد موقع جغرافي، بل مركز رمزي ومقاوم، يضم فصائل من الحركات المسلحة التي قاومت النظام السابق، إلى جانب قوات الجيش ومقاومة شعبية متماسكة. لذا، فإن اقتحامها لن يكون نزهة، بل معركة شرسة وطويلة، خاصة أن السكان يرفضون الخضوع لسلطة ميليشياوية مسؤولة عن مجازر موثقة في مناطق مجاورة.


مروي: البوابة الشمالية والاستفزاز السياسي

في المقابل، شنّت ميليشيا الدعم السريع ضربات بطيران مسيّر على مدينة مروي، مستهدفة منشآت حيوية من بينها محيط سد مروي. ورغم محدودية الخسائر، فإن الرسالة واضحة:

  • نقل الحرب إلى الشمال، مع ما يحمله من دلالات سياسية وإعلامية.
  • استفزاز مصر، الداعم غير المعلن للجيش السوداني، ومحاولة جرّها لموقف أكثر وضوحًا.
  • إرباك القيادة العسكرية وفتح جبهة إضافية تصرف الانتباه عن الفاشر.

حتى الآن، تبدو مروي بعيدة عن خطر السقوط، لكنها باتت جزءًا من المعادلة النفسية للمعركة.


السيناريوهات المتوقعة

  1. سقوط الفاشر: وهو السيناريو الأخطر، وقد يحدث بفعل حصار طويل أو اختراق داخلي. إذا تحقق، سيمنح الدعم السريع سيطرة شبه كاملة على دارفور.
  2. حرب استنزاف داخل المدينة: معارك طويلة وشرسة تستنزف الطرفين وتُفشل الحسم السريع.
  3. هجوم متزامن على الشمال: عمليات بالطيران المسيّر أو وحدات خاصة لخلق بلبلة في مروي والمناطق المجاورة.
  4. تدخل دولي بعد كارثة إنسانية: إذا تحولت الفاشر إلى مسرح مجازر، قد تتحرك الضغوط الأممية لوقف الحرب أو فرض حلول.

فرص الأطراف المتصارعة

  • ميليشيا الدعم السريع:

    • تمتلك الزخم الميداني في دارفور.
    • تعوّل على التفوق العددي والاختراقات السياسية.
    • لكن سقوط الفاشر دون تكلفة باهظة ليس مضمونًا، واحتمال حرب المدن قد يعيد سيناريو الخرطوم بمعاناته وخسائره.
  • الجيش السوداني:

    • ما زال يتحكم في الجو، ويسيطر على الشمال والشرق.
    • يمكنه تحويل الفاشر إلى "ستالينغراد سودانية"، تستنزف العدو وتعيد توازن القوى.
    • يحتاج لتوحيد صفوفه داخل المدينة، وتعزيز التعاون مع الحركات المسلحة والمجتمع المحلي.
  • القوى الإقليمية والدولية:

    • تتابع تطورات الفاشر كمؤشر لمدى خطورة استمرار الحرب.
    • قد تجد نفسها مضطرة للتحرك إذا تحولت المدينة إلى مسرح إبادة أو انهيار إنساني شامل.

الخلاصة

ما يجري في الفاشر ومروي ليس مجرد تحركات عسكرية معزولة، بل إعادة تشكيل لخارطة السيطرة في السودان. نجاح ميليشيا الدعم السريع في إسقاط الفاشر سيمنحها تفوقًا خطيرًا، وربما يمهد لتقسيم فعلي للبلاد. بالمقابل، صمود المدينة سيكون نقطة تحول قد تعيد المعنويات والمبادرة للجيش، وتفتح الباب لحسم سياسي في الاتجاه المعاكس.

في النهاية، تبقى الفاشر قلب المعركة القادمة، ونتيجتها ستحدد الكثير.

التالي السابق
أكتب أول تعليق
أضف تعليق
comment url

عين الصحة

عين التكنولوجيا

تحليلات ومقالات

عين الأقتصاد