حرب السودان: صراع على الدولة أم انتقال ديمقراطي؟

Sudan's war is not for democracy


منذ اندلاع الحرب السودانية في 15 أبريل 2023 بين الجيش السوداني  بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تعددت التفسيرات لطبيعة الصراع، حيث اعتبره البعض امتدادًا للأزمة السياسية التي أعقبت سقوط نظام عمر البشير، فيما صنفه آخرون كجزء من عملية الانتقال الديمقراطي المتعثر. لكن هذا التصنيف يتجاهل الطابع العسكري والاقتصادي للصراع، حيث تواجه الدولة تهديدًا غير مسبوق من قوة شبه نظامية مدعومة خارجيًا تسعى إلى تقويض الجيش النظامي والاستحواذ على السلطة.

في الواقع، هذا النزاع ليس مجرد مواجهة بين فصيلين عسكريين داخل الدولة، بل هو معركة بين مؤسسة الدولة العسكرية وقوة مليشياوية نشأت في ظروف استثنائية وتسعى لتوسيع نفوذها على حساب الجيش ومؤسسات الحكم. ولإدراك أبعاد الصراع بشكل أوضح، لا بد من استعراض جذوره وأبعاده المحلية والإقليمية والدولية.


الجذور التاريخية للصراع: من مليشيا إلى قوة منافسة للدولة

تعود أصول قوات الدعم السريع إلى مليشيات الجنجويد، التي استخدمها نظام الرئيس السابق عمر البشير في حرب دارفور خلال أوائل الألفينات لقمع الحركات المسلحة. ومع مرور الوقت، تحولت هذه المليشيات إلى قوة شبه نظامية لها استقلال مالي وإداري، وجرى هيكلتها رسميًا تحت قيادة حميدتي، الذي تم تعيينه قائدًا لهذه القوات وأصبح أحد أقوى رجال السودان نفوذًا.

في البداية، كانت قوات الدعم السريع أداة عسكرية بيد النظام الحاكم، لكنها سرعان ما تحولت إلى لاعب مستقل، مدعومًا بثروة هائلة من تجارة الذهب، مما مكنها من بناء قدرات عسكرية ضخمة. وبعد سقوط نظام البشير في 2019، لم يتم تفكيك الدعم السريع، بل ازداد نفوذه في المشهد السياسي والعسكري، ما جعله منافسًا خطيرًا للجيش النظامي.

في ظل التحولات السياسية التي شهدها السودان، خاصة خلال الفترة الانتقالية، احتدمت الخلافات بين الجيش والدعم السريع حول قضايا عدة، أبرزها دمج قوات الدعم السريع في الجيش. هذا التوتر وصل إلى ذروته عندما اندلعت الحرب بين الطرفين، وسط تدخلات إقليمية ودولية زادت من تعقيد الأزمة.


الأطراف الداعمة: من يدعم من ولماذا؟

الداعمون للجيش السوداني (عبد الفتاح البرهان):

  • مصر:

    • تُعد القاهرة الحليف الأكثر وضوحًا للجيش السوداني، حيث ترى في استقرار السودان أولوية استراتيجية لأمنها القومي.
    • تخشى من تداعيات انهيار الجيش وسيطرة المليشيات على السودان، ما قد يؤدي إلى انتشار الفوضى وتهديد حدودها الجنوبية.
    • هناك تقارير تشير إلى تقديم دعم عسكري ولوجستي للجيش السوداني، بما في ذلك تقديم الذخائر والتدريب.
  • السعودية (بحذر):

    • رغم رغبتها في عدم الانحياز بشكل واضح لأي طرف، فإنها تدرك خطورة انهيار الجيش السوداني وسيطرة المليشيات على الدولة.
    • تسعى للعب دور الوسيط عبر رعاية مفاوضات جدة، لكنها لم تقدم دعمًا عسكريًا مباشرًا للجيش.
  • روسيا:

    • على عكس شركة فاغنر، التي دعمت قوات الدعم السريع، فإن الحكومة الروسية تميل إلى دعم الجيش السوداني، نظرًا لعلاقاتها الاستراتيجية مع الخرطوم.
    • تسعى روسيا إلى تأمين وجودها العسكري في البحر الأحمر، حيث كانت تفاوض السودان لإقامة قاعدة بحرية في بورتسودان.
    • العلاقة بين موسكو والجيش السوداني ليست خالية من التوتر، لكنها تظل أكثر استقرارًا مقارنة بعلاقة روسيا مع قوات الدعم السريع.

الداعمون لقوات الدعم السريع (محمد حمدان دقلو "حميدتي")

  • الإمارات:

    • تعد أكبر داعم خارجي لقوات الدعم السريع، حيث وفرت دعمًا عسكريًا، وذخائر، وتمويلًا ضخمًا عبر تجارة الذهب السوداني.
    • تعتبر الإمارات حميدتي حليفًا اقتصاديًا رئيسيًا، خاصة في ظل استحواذ قواته على مناجم الذهب التي يتم تهريب جزء كبير منها إلى أسواق دبي.
    • تقارير متعددة، بما في ذلك تحقيقات الأمم المتحدة، أشارت إلى نقل معدات عسكرية للإمارات استخدمتها قوات الدعم السريع، إما مباشرة أو عبر وسطاء.
  • فاغنر (قبل تفككها):

    • قبل تفككها بعد مقتل قائدها يفغيني بريغوجين، كانت فاغنر تقدم دعمًا استخباراتيًا ولوجستيًا لقوات الدعم السريع.
    • العلاقة بين فاغنر وحميدتي تعززت بسبب المصالح المشتركة في تجارة الذهب غير المشروعة، حيث وفرت فاغنر أسلحة ومساعدات تقنية مقابل الحصول على جزء من الذهب السوداني.
    • بعد سقوط فاغنر، سعت قوات الدعم السريع إلى خلق موارد مستقلة بعيدًا عن روسيا الرسمية.
  • بعض القوى الغربية:

    • لم يكن هناك دعم غربي مباشر لقوات الدعم السريع، لكن بعض الدول الغربية تغاضت عن توسع نفوذ حميدتي، معتبرةً إياه قوة موازنة لنفوذ الجيش، الذي ينظر إليه على أنه امتداد للمنظومة العسكرية التقليدية ذات التوجهات الإسلامية.
    • كان هناك تردد غربي في اتخاذ موقف حاسم ضد الدعم السريع، ربما بسبب المصالح الاقتصادية والاعتبارات السياسية المتعلقة بالسيطرة على موارد السودان.

أهداف الأطراف المتصارعة: دولة أم مليشيا؟

  • الجيش السوداني:

    • يسعى إلى الحفاظ على وحدة الدولة وتفكيك المليشيات التي تهدد وجودها.
    • يريد إعادة فرض سيطرة الجيش على المؤسسات العسكرية والأمنية ومنع تفكك السودان.
    • يواجه تحديات تتعلق بالإصلاحات الداخلية وإعادة هيكلة المشهد السياسي.
  • قوات الدعم السريع:

    • تهدف إلى التحول إلى قوة عسكرية مستقلة، مما يعني تحويل السودان إلى دولة تهيمن عليها المليشيات.
    • تسعى إلى فرض أمر واقع عسكري وسياسي من خلال السيطرة على المناطق الاستراتيجية والموارد الاقتصادية، خصوصًا الذهب.
    • تحاول تعزيز تحالفاتها الخارجية لضمان استمرار الدعم العسكري والاقتصادي.

الخاتمة: حرب تُهدد الدولة بدلًا من تعزيز الديمقراطية

بدلًا من أن تكون الحرب جزءًا من انتقال ديمقراطي، فإنها تدمر أي فرصة لتحقيق الاستقرار. فالتدخلات الخارجية ودعم المليشيات يعمّق الأزمة، مما يجعل السودان ساحة صراع دولية وإقليمية. في ظل هذه الظروف، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للسودان استعادة مؤسساته وإنهاء حكم المليشيات قبل أن يتحول إلى نموذج الدولة الفاشلة؟

التالي السابق
أكتب أول تعليق
أضف تعليق
comment url

عين الصحة

عين التكنولوجيا

تحليلات ومقالات

عين الأقتصاد