البرهان... خصم حتى لأنصاره: أزمة قيادة لا تشبه العسكر ولا ترضي المدنيين
تحليل سياسي | SudanEye
في المشهد السوداني المتشابك، قليلون هم الذين يمكنهم جمع كل هذا القدر من التناقضات على أكتافهم. الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي كان يومًا ما محل رهان لفئات متعددة من الطيف السياسي والعسكري، بات اليوم أقرب إلى أن يكون خصمًا حتى لأنصاره، لا جامعًا لصفوفهم.
ففي وقتٍ تتعطش فيه البلاد إلى قيادة ذات مشروع واضح، يظهر البرهان كمن يتقن فن المراوحة في المكان، دون أن يقدّم خطوة واحدة إلى الأمام، ولا حتى خطوة محسوبة إلى الوراء.
إن كنت من أنصار البرهان...
فستجد نفسك في حرج شديد، إذ لا تملك ما تدافع به عنه، سوى أنه "الواقع المفروض". الرجل لا يقدّم رؤية سياسية، ولا يملك خطابًا موحدًا، ولا حتى ينجح في تسويق نفسه كخيار توافقي مقبول، لا محليًا ولا دوليًا.
لقد خسر دعم النخب، وفقد صلته بالشارع، وباتت تحركاته مثار سخرية من جميع الأطراف.
وإن كنت من أنصار الحكم العسكري...
فأنت حتمًا كنت تنتظر "جنرالًا حاسمًا"، يُمسك بزمام الأمور، ويضرب بيدٍ من حديد، ويحمي المؤسسة العسكرية من التفكك والتسييس.
لكن البرهان لا يشبه تلك الصورة. فهو كثير التردّد، متقلّب في مواقفه، ويفتقر إلى الحسم الذي يبني للدولة عمودها الفقري.
تصريحاته غائمة، وتحالفاته قصيرة النفس، وقراراته في معظم الأحيان تُتخذ تحت ضغط اللحظة لا استشراف الرؤية.
وإن كنت من أنصار التحوّل المدني الديمقراطي...
فلا تنتظر من البرهان أن يقود هذا التحول.
خلفيته العسكرية وثقافته السلطوية لا تؤهلانه للسير في دهاليز العملية الديمقراطية.
بل إن كل خطاباته تنضح بنبرة الاستعلاء على المدنيين، وكأنهم عبء على الوطن، لا شركاء في مستقبله.
هو يرى مطالب الحرية والسلام والعدالة باعتبارها شعارات "فضفاضة" لا تليق بواقع "البندقية"، في مشهد يشي بكامل الهوة بينه وبين روح الثورة.
وإن كنت من أنصار عودة التيار الإسلامي للحكم...
فأنت اليوم في مأزق أكبر.
البرهان الذي صعد إلى المشهد بتسهيلات من قوى إسلامية، بات يتنصل منهم بوضوح.
تصريحاته الأخيرة وتحالفاته الإقليمية والدولية تنذر بصدام محتوم، بل إن معركته القادمة – على الأرجح – ستكون ضد الإسلاميين أنفسهم.
إنه لا يريدهم في المشهد، ولا يريد دفع ثمن إقصائهم، لكنه أيضًا لا يقبل بمشاركتهم الحقيقية.
وهذا التوازن المستحيل لن يدوم طويلًا.
خاتمة:
البرهان لا يجمع الصف، ولا يرضي حليفًا، ولا يقنع خصمًا.
هو الجنرال الذي لا يشبه الجنرالات، والسياسي الذي لا يجيد السياسة، والحاكم الذي لا يملك مشروع حكم.
في زمن تتطلب فيه البلاد من يقودها بثبات ورؤية... أصبح هو العقبة أمام أي أفق.