مجلس السيادة الانتقالي السوداني: التكوين، التطورات، والمصير بعد حرب أبريل 2023
التشكيل والأهداف
تشكَّل مجلس السيادة الانتقالي في 21 أغسطس 2019 كجزء من اتفاقية سياسية بين قوى الحرية والتغيير (الممثلة للمتظاهرين المدنيين) والمجلس العسكري الانتقالي، بعد الإطاحة بنظام عمر البشير في أبريل 2019. هدفت هذه الخطوة إلى قيادة مرحلة انتقالية مدتها 39 شهرًا تمهيدًا لانتخابات ديمقراطية. ضم المجلس عند تأسيسه 11 عضوًا: 5 عسكريين و5 مدنيين وعضو مدني مُتفق عليه، مع تناوب الرئاسة بين العسكريين والمدنيين كل 21 شهرًا.
بعد توقيع اتفاقية جوبا للسلام في أكتوبر 2020 مع الحركات المسلحة، توسع المجلس ليشمل 14 عضوًا، بإضافة ممثلين عن المناطق المهمشة (دارفور، جنوب كردفان، والنيل الأزرق)، في محاولة لتعزيز الشرعية وإيقاف النزاعات الإقليمية.
الصلاحيات والهيكل
تمتع المجلس بصلاحيات واسعة تشمل:
- الإشراف على الفترة الانتقالية وضمان تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة.
- تمثيل السودان دوليًّا وتوقيع الاتفاقيات.
- تعيين رئيس الوزراء والوزراء بالمشاركة مع قوى الحرية والتغيير.
- المصادقة على القوانين بالتعاون مع البرلمان الانتقالي.
لكن هذه الصلاحيات أصبحت محل نزاع مع تصاعد التوتر بين العسكريين والمدنيين، خاصة حول دور الجيش في السياسة.
التطورات السياسية والانقلاب العسكري 2021
في 25 أكتوبر 2021، قاد الفريق أول عبد الفتاح البرهان (رئيس المجلس آنذاك) انقلابًا عسكريًّا حلَّ بموجبه مجلس السيادة والحكومة المدنية، وأعلن حالة الطوارئ. قُوبل الانقلاب باحتجاجات شعبية واسعة وقمع دموي، ما أدى إلى:
- إلغاء نظام التناوب في الرئاسة، والاستئثار بالسلطة من قبل البرهان.
- إقصاء المدنيين من هياكل الحكم، مثل استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك احتجاجًا.
- تجميد الدعم الدولي وتعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي.
التغييرات بعد حرب 15 أبريل 2023
اندلعت حرب أهلية في 15 أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عضو مجلس السيادة السابق. كانت الشرارة نزاعًا حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي وتوزيع السلطة. أدت الحرب إلى تغييرات جذرية:
-
تفكيك مجلس السيادة فعليًّا:
- توقفت مؤسسات الحكم عن العمل، وأعلن البرهان في يوليو 2023 حل المجلس رسميًّا، ووعد بتشكيل حكومة تكنوقراط، لكن الحرب حالَت دون التنفيذ.
- خرج حميدتي من هياكل السلطة بعد تصنيف قواته كـ"متمردة"، مما أضعف شرعية المجلس المتبقية.
-
احتكار السلطة وتغييرات في التشكيل:
- سيطر البرهان على القرارات العسكرية والسياسية بشكل أحادي، مع إقصاء كامل للمدنيين.
- في 2024، أُعلن عن تشكيل جديد للمجلس بمشاركة شخصيات موالية للجيش، لكنه رُفض دوليًّا لغياب التمثيل المدني.
-
تدويل الأزمة وفقدان الشرعية:
- اتُّهم كلا الطرفين بارتكاب جرائم حرب، مما دفع المجتمع الدولي إلى تعليق معظم الدعم.
- فشلت وساطات إقليمية (مصر، الإمارات، السعودية) ودولية (الأمم المتحدة) في إعادة الاستقرار.
-
انهيار الفترة الانتقالية:
- أصبح الجدول الزمني للانتخابات غير مُحدد، مع غياب رؤية لانتقال السلطة.
- تفككت المؤسسات المدنية، وحلَّت محلها إدارات عسكرية طارئة.
التحديات المُتفاقمة
-
الكارثة الإنسانية:
- نزوح أكثر من 8 ملايين شخص داخليًّا وخارجيًّا، وفق الأمم المتحدة.
- انتشار المجاعة والأمراض بسبب تدمير البنية التحتية الصحية والزراعية.
-
التقسيم الجغرافي للسلطة:
- سيطرة الجيش على العاصمة الخرطوم ومناطق الشمال.
- هيمنة قوات الدعم السريع على دارفور وأجزاء من غرب السودان.
-
الانهيار الاقتصادي:
- توقف الإنتاج النفطي، ووصول التضخم إلى 400% في 2024.
- انهيار العملة المحلية وارتفاع الدين العام إلى 60 مليار دولار.
الانتقادات الموجهة للمجلس
- الهيمنة العسكرية: تحويل المجلس من هيئة انتقالية إلى أداة لشرعنة سيطرة الجيش.
- إقصاء المدنيين: تهميش قوى الثورة والمكونات السياسية، خاصة بعد 2021.
- الفشل في تحقيق السلام: استمرار النزاعات في دارفور وجنوب كردفان رغم اتفاقية جوبا.
- انتهاكات حقوق الإنسان: مثل مجزرة 3 يونيو 2019 (قتل 100 متظاهر) ومجزرة 30 يونيو 2023 في الخرطوم.
الإيجابيات المحدودة
- إنهاء حكم البشير: فتح الباب لإصلاحات سياسية بعد 30 عامًا من الديكتاتورية.
- مشاركة مدنية أولية: تمثيل نسبي للمرأة والشباب في تشكيلات ما قبل الانقلاب.
- اتفاقية جوبا: محاولة دمج الحركات المسلحة، وإن فشلت في تحقيق استقرار دائم.
- صمود المجتمع المدني: بروز تنسيقيات المقاومة لإدارة الخدمات في المناطق المنكوبة.
مستقبل غامض وسيناريوهات محتملة
- التفكك الكامل للدولة: مع استمرار الحرب، قد ينقسم السودان إلى كيانات عسكرية وإقليمية متناحرة.
- إعادة التفاوض الجذرية: ضغوط دولية لإحياء عملية انتقالية بقيادة مدنية حقيقية.
- تسوية هشة: تقاسم سلطة بين العسكريين وقوى سياسية دون ضمانات ديمقراطية.
الخلاصة
مثَّل مجلس السيادة الانتقالي في بدايته بارقة أمل لتحول ديمقراطي، لكن تحوُّله إلى ساحة صراع بين العسكريين وقوى الثورة، ثم بين جنرالات الجيش أنفسهم، جعله رمزًا لفشل الانتقال. الحرب المستمرة منذ أبريل 2023 دفعت السودان إلى حافة الهاوية، حيث باتت الأولويات إنقاذ المدنيين من المجاعة وإعادة بناء الدولة من الصفر. مصير المجلس الآن مرهون بتوافق إقليمي ودولي، وإرادة شعبية تُصر على إنهاء عصر الهيمنة العسكرية.